نصوص للمطالعة و لإثراء الزاد اللغوي حول الشتاء
النص الأول: جنون العاصفة
سمعنا صباحا قعقعة عظمى قد انبعثت من جميع جهات البحر في آن واحد, فاهتزت الأرض و السماء, و انقلب عالي كل شيء أسفله, و صاح الجميع: " العاصفة ".
هنا رأينا أمام أعيننا منظرا هائلا, جمدت له دماؤنا في عروقنا, رأينا الضباب الذي كان يحول بيننا و بين رؤية السفينة قد انحسر دفعة واحدة, فإذا السفينة ذرة هائمة في ذلك الفضاء الواسع, تقبل بها الريح و تدبر, و تعلو الأمواج و تسفل. إن حاولت الدنو من الشاطئ, وقفت في وجهها الصخور الناتئة المحددة الأطراف, كأنها رماح مصوبة إلى صدرها, أو أرادت النكوص على عقبها, عجزت عن مقاومة التيار, لأنها أصبحت مجردة من جميع قواها و أسلحتها, فألواحها متناثرة, و حبالها متطايرة, و سواريها منكسة, و أعلامها ساقطة, و رجالها متهافتونعلى سطحها لما نالهم من الإعياء, فقد بدأ مؤخرها يهبط و مقدمها يرتفع, أي إن الهلاك أصبح على قاب قوسين منها و أدنى.
و كانت العاصفة في تلك اللحظة, قد بلغت أشدها, فرأينا الموج يرتفع ارتفاع الجبال حتى يصك بمنكبيه السماء, ثم يندفع إلى الشاطئ فينسف رماله و حصاه, ثم لا يلبث أن يتراجع مجرجرا في تراجعه جرجرته في تدفعه. و رأينا المضيق الواقع بين شاطئ الجزيرتين يرغي و يزيد, كأنما يشتعل من تحته أتون متقد, و يرمي بالزبد جانبيه كما يتناثر الصوف المنفوش عن المندف, و أصبح البر و البحر, و السماء و الأرض و الماء و اليبس, و السهل و الجبل, قيامة كبرى يموج فيها كل شيء و يضطرب كل شيء.
و كان الموج يهدأ حينا عن السفينة, ثم يطغى عليها حينا, فيضرب فوقها قبة جوفاء تغمرها كما يغمر القبر دفينه, و ماهي إلا لحظات حتى بدأ سطح السفينة يتشقق, و بدأ الماء يتسرب إلى أحشائها, و علم ركابها أنهم هالكون إن بقوا فيها, فأخذوا يلقون ما على سطحها من ألواح, و مجاديف, و صناديق, و أقفاص, ثم يلقون بأنفسهم وراءها.
النص الثاني: الطير المنذر بالعاصفة
على سطح البحر الرمادي الممتد كالسهل, حشدت الريح السحب, و بين السحب و البحر يرفرف طير النوء العاصف, كبرق قاتم اللون, فاخرا فخورا, تارة يماسح اللجة بطرف جناحه, و طورا ينبعث انبعاث السهم نحو الغيوم, يرفع عقيرته بالصراخ الجسور, فتسمع الغيوم في صراخه الطرب و السرور. إن في هذه الصرخة لشوقا ظامئا إلى العاصفة. و تدرك الغيوم فيها قوة الغضب, و نار الإنفعال, و الإيمان بالإنتصار.
تئن الرخم, قبل انبعاث العاصفة, أنينا مؤلما, و ترتمي في خوفها فوق أمواج البحر, على أهبة إخفاء روعها في مطاوي أعماقه, و يئن الطائر الغطاس أيضا لأنه لا يفهم ملاذ الصراع من أجل الحياة و الحرية, و لا يعرف أسرار تنازع البقاء, أما طير النوء فهو وحده يرفرف فخورا, حرا جسورا, فوق البحر الرمادي اللون من الزبد.
و لم تزل الغيوم تزداد دكنة و انحطاطا, فهي تتدلى نحو البحر, و تدوي و تئن, بينما الأمواج ترتفع لتلاقي الرعد القاصف, و يطن الرعد طنينا, و يئز أزيزا, فتعوي الأمواج مرغية مزبدة في غضبها. مختصمة مع الرياح, ثم تقبض العاصفة على هجمة منها, و تضمها ضمة قوية, و تقذف بها في حنقها الوحشي على الصخور بكل قوة انبعاثها, فترى قطعا من الزبرجد تتفتت نثارا, و تتقاطر دمعة دمعة.
و يرفرف طير النوء صارخا, و يخترق الغيوم مثل البرق الأسود اختراق السهم, و يغترف بقوادم جناحه رغوة اللجج.
هاهو ذا يرفرف مثل تنين الجن, مثل تنين أسود يعصف عصفا, هو تنين مستشعر, متكهن, قد أدرك منذ زمن بعيد ما اعترى الرعد من سآمة و ملل في سورة غضبه, و علم أن الغيوم لا توارى الشمس طويلا.
و تعوي الريح, و يبلغ الرعد هزيمه, و تتألق السحب كشعلة زرقاء فوق هوة البحر, و يختطف البحر سهام البرق و يغرقها في أغواره فترى وميض البرق مثل ثعابين نارية, تنبعث, ثم تغيب في أعماق البحر المائج.
هاهي ذي العاصفة, عن قريب ستنبعث العاصفة, و هاهو ذا طير النوء يرفرف جسورا, و يصرخ فاخرا فخورا.