إنتاج كتابي عن الشتاء
نموذج 1
قدم الشتاء بثلوجه و عواصفه, و خلت الحقول و الأودية إلا من الغربان الناعية, و الأشجار العارية. فلزم سكان القرية أكواخهم, و أصبحوا يقضون حياتهم بجانب الموقد, مرددين حكايات الأيام و الليالي.
و انقضى شهر ديسمبر, و قضى العام العجوز لافظا أنفاسه الأخيرة, و جاءت الليلة التي يتوج فيها الدهر رأس عام جديد, و يجلسه على عرش الوجود, و توارى النور الضئيل, و غمرت الظلمة البطاح و الأودية, و بدأت الثلوج تنهمر بغزارة, و العواصف تصفر و تتسارع من أعالي الجبال نحو المنخفضات, حاملة الثلوج لتخزنها في الوهاد, فترتعش لهولها الأشجار, و تتململ أمامها الأرض, و توارت الأنوار التي كانت تشعشع من نوافذ البيوت و الأكواخ, و قبض الرعب على نفوس الفلاحين, و انزوت المواشي بقرب المعالف, و اختبأت كل الحيوانات و لم يبق سوى الريح تخطب على مسامع الكهوف و المغاور, فكأن الطبيعة قد غضبت لموت العام العجوز, فقامت تأخذ بثأره من الحياة, و تحاربها بالبرد القارس.
نموذج 2
ما انفكت العاصفة تدور حول بيتي, نافخة بأبواق الجن و العفاريت, صافرة صفير الهاويات السفلى, معولة عويل الثكالى, عاوية عواء الذئاب, زائرة زئير الأسود, صاخبة, ناقمة, مولولة, و للرعد قصف و ترجيع, و للبرد, على سطح بيتي قوقعة آلاف الطبول يرشقها آلاف الصبية بالحصى, و للصقيع في بدني لسعات موجعات, حتى خيل إلي أن العاصفة لن تهدأ قبل أن تقوض بيتي من أسسه و تطمرني تحت أنقاضه.
نهضت من فراشي, و لاحت مني التفاتة إلى النافذة, فإذا الريح لا تزال تبذر الأرض ببذار أبيض عجيب, و قد محت منها معالمها, فلا الجبال جبال, و لا الأودية أودية, و لا أثر لحيوان أو إنسان, و بين الأرض و السماء لبد من السحاب الأغبر لا تنفذ العين من خلاله لمسافة خطوات قليلة.
نموذج 3
ذات ليلة من ليالي الشتاء, كنت عائدا إلى المنزل فهبت ريح عاصفة شديدة دوت بها جوانب الأفق, و قعقعت لها قبة السماء, حتى حسبتها توش أن تنقض, و أخذت تجاذبني ثوبي مجاذبة شديدة, كأنها تأبى إلا أن تنتزعه مني أو تنتزعني منه. مشيت في طريقي, أتيامن مع الريح تارة و أتياسر أخرلى, و أندفع متقدما, و أكر راجعا.
هدأت العاصفة قليلا لتفتح الطريق إلى الغيث الهاطل, فلم تهدأ ثورتها حتى ثار ثائره, و أخذ يتساقط سقوطا شديدا, فابتل معطفي, و سرت الرعدة في جميع أعضائي, و اشتدت ظلمة الليل, فما أكاد أهتدي إلى طريقي. و لكني تجلدت, و قاومت, و غالبت الطبيعة بعواصفها و ثلوجها و بروقها و رعودها و لم أستسلم لغضبها, حتى بلغت المنزل بعد لأي, فسقطت مريضا محموما.
و لقد كابدت من مرضي شدة عظمى لم أر مثلها فيما مر بي من أيام حياتي, حتى دب اليأس في نفسي دبيب المنية في الأجل, و ظننت أني لا بد هالك... و لكن الله مد لي يد معونته و إحسانه و استنقذني من مخالب الموت, فحمدت له منته.