إنتاج كتابي عن الربيع

 إنتاج كتابي عن الربيع



ها أنت قد قدمت أيها الربيع الجميل, فمرحبا بقدومك! و قد أقبلت معك الحياة بجميع أصنافها و أشكالها و ألوانها.

و ها أنت بسحرك العجيب استطعت أن تجعل من الشمس حائكا وشاءا يحوك أجمل الرياض, و يشيها, و يبدع في نقشها و في زخرفتها. فأصبحت الطبيعة ملأ العيون بما أبدعت من ألوان زاهرة و ما أبرزت من أغصان ناضرة, و ما حكت من نقش و وشي, و ما خلقت من جمال, و ما نوعت من أصباغ: فأحمر قان, و أبيض ناصع, و أصفر فاقع, مع تعاريج سوداء و نقش جميل و نمنمة كدبيب النمل, و هندسة رائعة, منسجمة, متناسقة, تحير العقول و تأخذ اللب, و تعلم الفنانين فنهم, و ترقي ذوقهم, و تلهمهم الإبداع في التنميق, و الإجادة في التزويق...

و كما جعلت الطبيعة ملء العين, جعلتها أيضا ملء السمع: فالأطيار قد رأت ما وشيته في روضك, فحرك ذلك المنظر أشجانها, و أطلق لسانها. كانت عجماء, فأفصحت في أيامك, و كانت خرساء فأنطقها سحرك و جمالك و كانت بكماء فصوتت و غردت لما رأت منظرك البديع, أيها الربيع. فلما غنت, حركت أشجان الإنسان, و أوحت إليه بالمعاني الحسان, فاندفع الشعراء في وصف سحرك, و تغنوا من غناء طيرك. لكن هيهات أن يبلغوك في فنك, و أن يصوروك في جمالك... فأين التقليد من الإبداع, و أين الخيال من الحقيقة, و شتان ما بين الصورة و الأصل, و ما بين الثرى و الثريا!

ثم إنك جعلت الطبيعة أيضا ملء الشم, فإنك قد ملأت الجو عطرا بأزهارك العبقة, و ثمارك الفائحة, و رياحينك الطيبة, فأنعشت النفوس, و بعثت الأمل و لقد اعتدلت حرارتك, فلم تعت في بردك عتو الشتاء, و لم تغل في حرك غلو الصيف, فكن جميلا في جوك, كما كنت جميلا في شكلك و في هندامك, و في كل شيء من آثارك. فأهلا و سهلا و مرحبا بحسنك البديع, يا ربيع!

قصيدة عن الربيع لأبي القاسم الشابي

لقد نامت الأرض طول الخريف و طول الشتاء, شتاء المطر

فجاء الربيع بأنغامه و أحلامه و صباه العطر

و أيقظها بكلام لطيف يعيد الشباب الذي قد غبر

و قال لها: " قد منحت الحياة و خلدت في نسلك المذخر

و باركك النور, فاستقبلي شباب الحياة و خصب العمر

و من تبعد النور أحلامه يباركه النور أنى ظهر 

إليك الفضاء, إليك الضياء, إليك الثرى الحالم المزدهر

إليك الجمال الذي لا يبيد إليك الوجود الرحيب النضر

فميدي كما شئت فوق الحقول بحلو الثمار و غض الزهر

و ناجي النسيم, و ناجي الغيوم و ناجي النجوم, و ناجي القمر

و ناجي الحياة بأشواقها و فتنة هذا الوجود الأغر

و شف الدجى عن جمال عميق يشب الخيال و يذكي الفكر

و مد على الكون سحر غريب يصرفه خالق مقتدر

و ضاءت شموع النجوم الوضاء و ضاع البخور, بخور الزهر

و رفرف روح, غريب الجمال بأجنحة من ضياء القمر

و رن نشيد الحياة المقدس في هيكل حالم قد سحر

و أعلن في الكون أن الطموح لهيب الحياة, و روح الظفر

إذا طمحت للحياة نفوس فلا بد أن يستجيب القدر.                      

تعليقات