تجدون في موقع إمتحاناتي نصوص للمطالعة و التوظيف في الإنتاج الكتابي. في ما يلي نص حول محور موسم جني الزيتون:
كنا نستيقظ في الصباح الباكر فتهيء أمي الطعام و نحمله معنا لمقاومة البرد الذي كثيرا ما يؤلم أجسامنا الغضة, و يسرج الوالد الحمار و يحمل عليه الفرش و السلالم و شيئا من الطعام و قلة من الماء, و نتوجه نحن الصغار راجلين لنبلغ غابة الزيتون.
و نحط رحلنا في المكان المقرر العمل به, فنفرش الفرش و نشرع في الجني. و كان الصغار منا يختصون بالتقاط ما نثرته الرياح من حب الزيتون تمهيدا لبسط الفرش. و كانت الأم تشجعنا على هذا العمل واعدة إيانا بالجزاء الأوفى على حسب ما نملأ من علب, فنضطر إلى الالتجاء للتحيل و اختلاس الحبوب من فوق الفرش لنملأ أوانينا. و قد نصعد الشجرة لجني ما لا تطوله الأيدي.
و كانت آذاننا تتلقط صوت بائع الحلوى الذي يخرج على حماره كل يوم ليبيع إلى الأطفال بضاعته بالمقايضة, فندفع له الزيتون ليمدنا بالحلوى البيضاء المرشوشة بالجلجلان, و كان هذا الحلواني يعلن عن قدومه بصوته الجهوري الذي يسر له الأطفال. و نتناول الحلوى و نقتسمها بيننا بالعدل و الإنصاف, و نعود للعمل الجدي.
و تمتلئ الأكياس فنؤمر بحملها إلى المعصرة الحافلة بالحركة و النشاط و نصبها في جابية صغيرة تخصص لكل فلاح يضع فيها صابته. و يتواصل العمل على هذا النسق عدة أيام… و ما هي إلا أيام قلائل حتى نحمل زيتنا إلى الدار في قرب. و غالبا ما يكون ذلك ليلا, و نفرغ القرب في الجرار, ثم نعلق الأواني الجلدية مصلوبة, و نضع تحتها جفنة يتقاطر فيها ما تبقى من الزيت طول الليل. و في الصباح الباكر نرجع لصاحب المعصرة قربه و نحمل " الفيتوره" لنوقد بها النار. و من الناس من يخلطها بالنخالة و يطعمها للجمال.
و ينتهي الموسم بتشذيب الأشجار. و نصنع الفطائر في المنزل, تلك الفطائر التي ننهض لها أطراف الليل, و نحدث بتلك المناسبة جوا من المرح و السرور, فنتبارى في صنع فطائر نحاول أن نجعلها تشبه فطائر السوق, و لكن أنى لنا ذلك و أيدينا لم تكتسب مهارة الفطائري. و نصنعها مستطيلة أو مربعة أو مثقوبة, و نختار منها ما حسن شكله لتوزيعه على الأقارب و نبقي البقية لنا.