نصوص لإثراء الإنتاجات الكتابية حول محور المرض
النص الأول: مرض طفلة
كانت الطفلة صغرى أبناء الأسرة, و هي في الرابعة من عمرها. و كانت خفيفة الروح, طلقة الوجه, فصيحة اللسان, عذبة الحديث, قوية الخيال, فكانت لهو الأسرة كلها.
و أصبحت ذات يوم في شيء من الفتور و الهمود لم يكد يلتفت إليه أحد. و الأطفال في القرى معرضون لهذا النوع من الإهمال.
و ظلت الطفلة فاترة, هامدة, محمومة, يوما بعد يوم, و هي ملقاة على فراشها في ناحية من نواحي الدار, تعنى بها أمها أو أختها من حين إلى حين, تدفع إليها شيئا من الغذاء, الله يعلم إن كان جيدا أو رديئا… و الحركة متصلة في البيت: يهيأ الخبز و الفطير من ناحية, و تنظف حجرة الإستقبال في ناحية أخر, و الصبيان في لهوهم و عبثهم, و الشبان في ثيابهم و أحذيتهم, و الشيخ يغدو و يروح.
حتى إذا كان عصر اليوم الرابع, بينما كانت الأم في عملها, إذا الطفلة المسكينة تصيح صياحا منكرا, فتترك كل شيء و تسرع إليها هي و بقية بناتها, و الصياح يتصل و يشتد, و الطفلة تتلوى و تضطرب بين ذراعي أمها, و ترتعد ارتعادا شديدا, و يتقبض وجهها و يتصبب العرق عليه, فينصرف الصبيان و الشبان عما هم فيه من لهو و حديث, و يسرعون إليها, و لكن الصياح لا يزداد إلا شدة, و إذا هذه الأسرة كلها واجمة, مبهوتة, محيطة بالطفلة, لا تدري ماذا تصنع. أما الشيخ فقد أخذه الضعف الذي يأخذ الرجال في مثل هذه الحال, فينصرف مهمهما بصلوات و آيات يتوسل بها إلى الله.
و من غريب الأمر أن أحدا, من هؤلاء الناس جميعا, لم يفكر في الطبيب. و تقدم الليل و أخذ صياح الفتاة يهدأ, و بدأ صوتها يخفت, ثم تنظر الأم إلى ابنتها, فإذا هدوء متصل, لا صوت و لا حركة, و إنما هو نفس خفيف, شديد الخفة يتردد بين شفتين مفتوحتين قليلا ثم ينقطع هذا التنقس, و إذا الطفلة قد فارقت الحياة.
النص الثاني: الفحص الطبي
استيقظت فجر يوم, و أنا أحس بألم بالقفا منعني من تحريك رأسي, فكنت لا أستطيع أن أدوره أو أرفعه, أو أخفضه, أو أقوم بأية حركة…
فأسرعت إلى طبيب مختص في أمراض الأعصاب. فبدأ الفحص, و وخزني بإبرة في أطراف أصابعي… ثم مر بالإبرة أيضا على ظهري, ثم ربط جهازا على ذراعي و ضغط عليه, ثم قال لي: " تمدد على ظهرك, و ارفع يديك, و ابسط أصابعك… " ثم أمسك بيدي و قال: " دعنا نتجاذب بشدة …" ثم أخذ يطرق جسمي بمطرقة خشبية صغيرة, و كان ذلك خاتمة الفحص.
و بعد ذلك قال لي:
- أصارحك القول بأنني لن أنصحك باستعمال أي دواء قبل تصوير عمودك الفقري بالأشعة, ثم أخذ لي تلك الصورة الشعاعية, و سألني أن أعود إليه في اليوم التالي لأعرف النتيجة.
و لما عدت إليه, أظهر لي الصورة, و راح يشرح لي تفاصيلها بالقرب من النافذة, و يقول:
- انظر, … هذه جمجمتك… و هذه أسنانك, باستثناء المقلوع منها, و هذه رقبتك… انظر كيف يميل عمودك الفقري إلى اليمين قليلا… أما هذه الريشة فموقفها غير طبيعي, و أظن أنها هي التي تضغط على مجموعة أعصاب القفا, و ينشأ عن ذلك الضغط التهاب تلك الأعصاب, و هو ما يسبب لك الآلام الشديدة, و الأوجاع التي لا تطاق…
قال لي ذلك و ناولني وصفة الدواء, و أشار علي باجتناب الملح في الطعام و طلب مني أن أعود إليه بعد أسبوع, فإما أن يكون الدواء قد أفاد و قاوم الإلتهاب و تغلب عليه, و إلا فإن العملية الجراحية تكون متحتمة و لا مفر منها.
و في صباح الغد, كانت الشمس بازغة, ترسل أشعتها الحارة في حديقة المنزل, فتمددت على بطني فوق العشب و تركت الأشعة تكوي قفاي كيا, و تلسعها لسعا, فلم تمض ربع ساعة حتى زال كل ألم, و من الله علي بالشفاء, و أصبحت أحرك رأسي كما أشاء.