1- أسباب النزول
بعد بيان أحوال الناس و انقسامهم فريقين يوم القيامة: سعداء و أشقياء, أكد الله تعالى وقوع يوم القيامة و ما يتبعه من الأهوال بالقسم بآيات واضحة في الكون: و هي الشفق و الليل, و القمر على أن البعث كائن لا محالة, و أن الناس يتعرضون لشدائد الأهوال.
ثم حكى الله تعالى بعض عجائب الناس أنهم لا يؤمنون بالقرآن و البعث, و لا يخضعون لآيات القرآن العظيم, عنادا منهم و استكبارا, فيجازون أشد العذاب, إلا من تاب و آمن و عمل صالحا فله الثواب الدائم غير الممنون به عليه.
2- المعاني
- من الآية 1 إلى الآية 15: حينما ينتهي أمر الدنيا, و يأتي أمر الآخرة, يختل نظام الكون, ثم يبعث الناس, و قد تقدم كل منهم بما عمله في الدنيا من خير و شر: فأما المؤمن فإنه يحاسب حسابا يسيرا و يدخل الجنة, و أما الكافر فإنه يحاسب حسابا عسيرا و يدخل النار, بعد أن كان متمتعا بلذات الدنيا ظانا أنه لن يبعث بعد الموت للحساب.
- من الآية 16 إلى الآية 25: يؤكد الله سبحانه و تعالى للكافرين أنهم سيبعثون بعد الموت, فلماذا لا يؤمنون؟ و لماذا لا يخضعون لأوامر القرآن و نواهيه؟ مثل هؤلاء لهم في الآخرة عظيم, أما المؤمنون فلهم ثواب دائم, و نعيم مقيم.
3- شرح الآيات
- " إذا السماء انشقت ": تصدعت و تشققت.
- " و أذنت لربها و حقت ": سمعت و أطاعت و أجابت ربها إلى الإنشقاق و لم تأب و لم تمنع و حق لها أن تسمع و تطيع لأمر الله: حق لها أن تنشق لشدة الهول.
- " و إذا الأرض مدت ": بسطت و سويت باندكاك جبالها.
- " و ألقت ما فيها و تخلت ": و رمت ما في جوفها من الكنوز و الموتى و خلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو.
- " و أذنت لربها و حقت ": سمعت و أطاعت و أجابت ربها في إلقاء ما في بطنها و تخليها.
- " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ": أي أنك ساع إلى ربك سعيا و عامل عملا ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر.
- " فأما من أوتي كتابه بيمينه ": أي تقدم بصحيفة أعماله الطيبة.
- " فسوف يحاسب حسابا يسيرا ": سوف يحاسب حسابا لينا سهلا.
- " و ينقلب إلى أهله مسرورا ": يرجع إلى أهله في الجنة فرحا بما أعطاه الله عز و جل.
- " و أما من أوتي كتابه وراء ظهره ": أي بشماله من وراء ظهره: تثنى يده إلى ورائه و يعطى كتابه بها كذلك ( تفسير بن كثير ).
- " فسوف يدعو ثبورا ": أي خسارة و هلاكا.
- " و يصلى سعيرا ": يدخل النار الشديدة.
- " إنه كان في أهله مسرورا ": أي فرحا لا يفكر في العواقب و لا يخاف مما أمامه فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل.
- " إنه ظن أن لن يحور ": كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله و لا يعيده بعد موته.
- " بلى إن ربه كان به بصيرا ": يعني سيعيده الله كما بدأه و يجازيه على أعماله خيرها و شرها فإنه كان به عليما و خبيرا.
- " فلا أقسم بالشفق ": الشفق هو الحمرة التي تظهر في الأفق الغربي بعيد الغروب.
- " و الليل و ما وسق ": اجمع كل المخلوقات تحت ظلمته.
- " و القمر إذا اتسق": اجتمع و تم بدرا.
- " لتركبن طبقا عن طبق ": لتقاسن الشدائد و الأهوال حالة بعد حالة و شدة بعد شدة.
- " فمالهم لا يؤمنون ": فلماذا لا يؤمن الكافرون و قد علموا أن آخرتهم سيئة؟ و ماذا يمنعهم من الإيمان بالله و رسوله و اليوم الآخر؟
- " و إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ": إذا قرئت عليهم آيات الله و كلامه لا يسجدون إعظاما و إكراما و احتراما.
- " بل الذين كفروا يكذبون ": أي من سجيتهم التكذيب و العناد و المخالفة للحق.
- " و الله أعلم بما يوعون ": يجمعون في صدورهم من الكفر و التكذيب أو يكتمون في صدورهم.
- " فبشرهم بعذاب أليم ": أخبرهم يا محمد بأن الله عز و جل قد أعد لهم عذابا أليما, فأنذرهم.
- " إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " : لكن الذين آمنوا لهم أجر غير مقطوع أو غير منقوص. إن الله عز و جل له المنة على أهل الجنة في كل حال و آن و لحظة.
4- المعنى الإجمالي
ابتدأت سورة الإنشقاق بذكر بعض مشاهد الآخرة و صورت الإنقلاب الذي يحدث في الكون عند قيام الساعة. ثم تحدثت عن خلق الإنسان الذي يكد و يتعب في تحصيل أسباب رزقه و معاشه ليقدم لآخرته ما يشتهي من صالح أو طالح و من خير أو شر ثم هناك الجزاء العادل.
ثم تناولت موقف المشركين من هذا القرآن العظيم و أقسمت بأنهم سيلقون الأهوال و الشدائد و يركبون الأخطار و الأهوال في ذلك اليوم العصيب الذي لا ينفع فيه مال و لا ولد.
ختمت السورة الكريمة بتوبيخ المشركين على عدم إيمانهم بالله مع وضوح آياته و سطوع براهينه و بشرتهم بالعذاب الأليم في دار جهنم.