نصوص لإثراء الإنتاج الكتابي ( وصف المدينة )

 نصوص للمطالعة حول محور المدينة

النص الأول: أصدقاء الحي

أكانت العاصمة التي رأيتها في هذا العام كالتي كنت رأيتها منذ سنين طويلة؟ أما الدور, و الشوارع, و العمارات و الملاعب, و المعاهد, و الدكاكين, و واجهاتها الزجاجية, فهي لم تتغيرأو لم تكد تتغير, و كذلك النشاط المستمر, فهو مازال كما عهدته في الماضي, فليست المدينة في مجموعها سوى قطعة مشتعلة من الحياة و الحركة الدائمة, و هي تقوم مقام القلب النابض في جسم بلاد حية, متحفزة, ناهضة, تروح فيها و تغدو, بين سيل جارف من السيارات, و العربات, و في وسط جمع غفير من الخلائق.

وصف المدينة


و لكن الذين كنت عرفتهم, و تعودت أن أراهم, أو أسمع الحديث عنهم في الحي الذي تعودت النزول فيه,قد مضى أكثرهم, و لم يكد يبقى منهم أحد: فمنهم من سئم الحياة أو سئمته الحياة, فانتقل إلى حياة أخرى, و منهم من كان استوطن العاصمة ليتجر فيها طلبا للثروة و السعة, فلما ظفر منها بحظ, ترك العاصمة إلى حيث يصبح من الأغنياء أو من أهل الدعة و المكانة.

و كذلك لم ألق  البوابة التي كنت أعرفها في النزل, و التي كنت أحب أن أسمع إليها تصف علمها, و درايتها, بينما كانت تكنس الدرج فوجدت مكانها بوابة جديدة تحكم في السكان بأمرها, مستبدة, مسرفة في الإستبداد, فارضة عليهم ما تشاء من العقوبات إذا قصروا في ذاتها بعض التقصير. أليس بيدها بريد النزل, تستطيع أن تؤخره, و أن تحبسه, و أن تضيعه؟ أليس إليها يتجه الزائرون قبل أن يصعدوا إلى طبقة من طبقات النزل, أو حجرة من حجراته؟ فهي تستطيع أن تجيبهم بما شاءت من جواب: بأنك في البيت, أو بأنك خرجت, أو بأنك قد رحلت عن المدينة تماما…

و قد افتقدت أيضا بائع الخضر الذي كان يحب المزاح و يميل إلى المداعبة, و الذي كان يحمل حقيبتي و أمتعتي كلما سافرت من العاصمة أو عدت إليها. و كنت أسأل عن المقيم, و عن الضاغن و الراحل, و أجد في السؤال و الجواب لذة الذكرى يملأها الحنان.

النص الثاني: نشأة المدينة

يتقدم الإنسان في حياته و سكناه, و يتطور شيئا فشيئا مع الزمن فيسعى إلى تحسين حاله و عيشته, و إلى الخروج تدريجيا من طور البداوة إلى طور الحضارة.

فقد كان الإنسان البدائي في أول الأمر يعيش في المغاور و الكهوف, ثم في بيوت من شعر, أو تحت خيام من وبر, أو في أخصاص و أكواخ حقيرة, مصنوعة من القش, و القصب, و الخوص, و أغصان الأشجار.

ثم يمر زمن طويل, و إذا بنواة من العمران تتكون, و إذا بالأكواخ تتطور و تتحسن, فتنشأ القرية, بطرقات ضيقة و منعرجة, و بيوت من طين و مدر, أو مما خشن من الحجر, تظهر عليها سيمة البداوة خالية من كل نظام و تنسيق, و من كل تنميق و تزويق.

ثم ترقى الحياة و تتطور, فيحتاج الناس إلى منازل أكثر عددا, و أوسع فضاء, و أحسن بناء, و إلى دكاكين أكثر تنوعا, و أوفر بضاعة, فإذا بالقرية تصبح بلدة صغيرة, فيها بعض العمران, و شيء من الحضارة: بيوتها منظمة, و طرقها معبدة, و أسواقها متعددة…

ثم تنمو البلدان, بكثرة العمران, و تمتد, و تتوسع طولا و عرضا, و تصبح مدنا, و أمصارا, و عواصم, و تبح الأبنية فيها كبيرة, واسعة, شاهقة, و الشوارع عريضة, مستقيمة و المخازن و الدكاكين مزركشة و مزخرفة, و الأسواق فسيحة و حافلة, و لكل سوق اختصاص ببضاعته: فهناك سوق للحدادين و ثانية للقصابين, و ثالثة للعطارين, و أخرى للسراجين, و سوق خاصة بالحبوب, و سوق خاصة بالخضرو البقول… و تزيد المدينة اتساعا و انتشارا, فيصير السكان يتنقلون في السيارات, و الحافلات, و القطر الكهربائية.

أما الأبنية في العواصم و المدن فهي عبارة عن دور, و قصور, و عمارات, فيها جميع أسباب الراحة و الهناءة, يصعدون فيها أو ينزلون منها بواسطة المدارج أو المراقي, و يضغطون على أزرار في الحائط فينيرون الغرف و الحجرات بالكهرباء. و في البيت وسائل للتدفئة, و أجهزة للتبريد, و قاعة للإستحمام, و كراسي, و أرائك, و سرر مرفوعة, و نمارق مصفوفة, و ترى الجدران مزينة بالصور, و الحدائق و الجنائن مغروسة بالأزهار و الأشجار.

تعليقات