نصوص للمطالعة: الواحات و الغابات
النص الأول: واحة توزر
توزر هي اليوم عروس الصحراء التونسية, و يزيدها جمالا لزائرها أنه يرى نفسه في هذه الجنة الأرضية بعد أن يكون قد اجتاز قفرا واسعا. و تبدو توزر لقاصدها من شمالها ببنائها الأبيض و ما أحيط به من خضرة, كأنها جوهرة في وسط تلال من الزمرد, أو هي جزيرة من نور في وسط بحر خضم داكن اللون مما يحيط بها من نخيل. و تبدو الصحراء من ورائها تحت أشعة الشمس, كأنها مرآة مصقولة. و هذه المجموعة من نبات و صحراء, و جو و شمس, يعطي بعضها بعضا جاذبية ساحرة, و رونقا أخاذا, هما جمال هذه الواحة.
و كلما اقترب مها قاصدها, بدا النخيل أكثر وضوحا و ظهر كأن سعفه أيد ممدودة ترحب بالزوار, و بدت, إلى جانب هذه الحياة الناعمة, كثبان الرمال يمينا و شمالا, بشكل رهيب يشبه الموت, إذ لا حياة فيها و لا حس و لا حركة!
و يقصد السياح الأجانب جهة الجريد للتنعم بجناتها, و طيب هوائها, و اعتداله في أيام الشتاء. و تمتد جنات النخيل كيلومترات, تتخللها عيون جارية, و قد زرعت هذه الجنات بشكل فني و طريقة علمية, إذ ليست واحة توزر واحة أنبتتها الطبيعة و استثمرها الناس, بل هي واحة عملت يد الإنسان في تكوينها, حتى غدت من أجمل واحات الدنيا. و كان من نتائج العناية بهذه الواحة أن أصبحت تصدر تمورها إلى العالم كله.
و لم تقف الزراعة في توزر عند حدود النخيل, بل تجاوزتها إلى كثير من أنواع الأشجار المثمرة كالحمضيات, و الخوخ و الموز, و غيرها, و لت تهمل العناية بالأزهار أيضا, و الخضر, خصوصا و أن تربة توزر صالحة لجميع ذلك.
و عني المسلمون بتوزر من قديم الزمان, و بنوا فيها المساجد الكبيرة, و المدارس و راجت سوق العلم فيها, و أمها كثير من الناس لطلب العلم, و الإفادة من أساتذتها, و ظهر مها رجال فطاحل ممتازون في العلوم الدينية, كالحافظ القسطلاني, و أبي الفضل النحوي و غيرهم, و منها ظهر الشاعر التونسي الممتاز أبو القاسم الشابي.
النص الثاني: غابات الزيتون
ما أجمل غابات الزيتون التونسية التي تمتد على مدى البصر, حسب نظام هندسي و ترتيب بديع, يأخذ بمجامع القلوب, و يبعث مرآة على السرور.
و لكن دعنا من الوصف, و الخيال, و تزويق الكلام, و لنتحدث قليلا عن نشأة شجرة الزيتون, و عن تاريخها في بلادنا. إننا لو سألناها لأجابتنا بأن الفينيقيين هم الذين كانوا حملوها إلينا منذ عهد بعيد, بعيد جدا يرجع إلى نحو خمسة قرون قبل الميلاد, فإنهم قد بدؤوا غراسة هذه الشجرة المباركة بجزر قرقنة, ثم بالوطن القبلي, و يقول المؤرخون بأن حنبعل كان يملك مزرعة زيتون بالمهدية, و كان يبث غراسة الزيتون في كافة أنحاء القطر, و يستخدم في ذلك جنوده و رجاله.
غير أن زراعة الزيتون لم تتخذ شكلا جديا إلا في القرن الثاني الميلادي بعد الإستيلاء الروماني إذ عمت البلاد, و اهتمت روما بإنشاء غابات الزيتون لاحتياجها إلى الزيت الذي كانت تستعمله للأكل و الإستصباح و التجمل وقت الإستحمام.
ثم جاءت الكاهنة, فهدمت المدن و القرى, و أحرقت الغابات... ثم جاء زحف الهلاليين من أعراب الصعيد المصري, فانتشروا في البلاد كالجراد, و عاثوا فيها فسادا و تخريبا, و أتلفوا الغابات و الأجمات و أضرموا فيها النيران و تركوها تتقد كالبركان. و أوشكت هذه الشجرة أن تتلاشى, لولا بقية منها ثبتت في بعض الجهات أمام ذلك الإجتياح المهول.
و منذ ما يزيد على نصف قرن تقريبا, نشطت زراعة الزيتون, و أخذت الغابات تنشأ, و تنتشر و تتسع, سواء في جهة صفاقس, التي تمتاز عن غيرها من حيث البهجة و التنسيق, أو في الساحل أو في الوسط, أو في الجنوب, بل امتدت أيضا في الشمال, حتى بلغت ما بلغته في أيامنا من الكثرة, إذ يوجد الآن في بلادنا التونسية ما يزيد عن ستة و عشرين مليون شجرة زيتون, منها ماهو مثمر و منها ماهو نشء صغير السن لم ينتج بعد. و لا تزال العناية بزراعة الزيتون و إنشاء الغابات متواصلة و مستمرة بنشاط متزايد.