نصوص لإثراء الزاد اللغوي: محور الحياة المدرسية

 مطالعة: نص العود إلى المدرسة



إني أذكر, كأنها البارحة, البهجة الشديدة التي أفعمت قلبي في اليوم الأول من أكتوبر,  و قد كان في تلك السنة آخر أيام العطلة الصيفية قبل العودة إللى المدرسة. و في صبيحة ذلك اليوم كنت قد عدت من مصطاف عين دراهم بشمال القطر التونسي, بعد أن قضيت مع أبناء عمي أياما سعيدة لم تبخل علينا بالشمس المشرقة و بالحرية المطلقة. و كانت الصور التي عدت بها من هناك ما تزال مرتسمة في ذهني, مالئة خيالي: قطف العنب بين أغصان الكرمة الحمراء, و التسلق في ظل غابات السنديان نحو قصور قديمة معلقة و كأنها من دنيا الخيال, و المغامرات المرتجلة التي كنت أخوضها في طليعة فريق من الفتيان الصغار, و لا من منازع ينازعني القيادة…

و قد قضيت هذا اليوم الأخير أولا في تنسيق مختلف النماذج النفيسة التي عدت بها من رحلاتي في الأرجاء الشمالية, و في ترتيبها في متحفي الصغير. ثم جلست و كنت منفردا في غرفتي, إلى مكتبي, حيث كان يجب علي أن أستعيد دراستي في اليوم التالي, و باشرت عملا استغرق الوقت حتى الغروب, و هو صنع رزنامة من ابتكاري الخاص, أقتلع منها ورقة كل مساء. و كانذلك يقتضي تهيئة تسع رزم صغيرة من الورق, للأشهر الدراسية التسعة, تتألف كل منها من ثلاثين أو واحدة و ثلاثين ورقة, كتب عليها اليوم و التاريخ. أما أيام الراحات و العطل و الأعياد فكانت موضع تكريم خاص, إذ كانت تدون على ورق وردي اللون.

و في صبيحة اليوم التالي كنا على مقاعدنا نستمع إلى المعلم و هو يقرأ بوقار ما جادت به قريحة بعض التلاميذ خلال العطلة… إلى أن كان دوري, فأخذ يقرأ ما كتبت بصوت مرتفع. يا للمفاجأة السارة, يبدو أن جهودي كانت موفقة, حتى إنه عندما انتهى إلى الجملة الأخيرة من تحريري, صاح بصوت يشبه الصفير:

- يا له من تعبير جميل!

إن أحسن ما كنت أترقبه هو أن أبتكر شيئا يسر ذلك المربي النتفاني في سبيل تثقيفنا و تهذيبنا. فلم يكن باستطاعتي البقاء جالسا على مقعدي, بل كدت أطير من شدة الفرح. 

مطالعة: واجب التلميذ

بناتي و أبنائي الأعزاء,

إن الأجانب كانوا يتحكمون في هذا البلد, و يمتصون ثروته, و يستغلون أطيب أراضيه, و استمر الإستيلاء الأجنبي على بلادنا طوال خمس و سبعين سنة, أي ثلاثة أرباع القرن. و ما كان لهذا الوضع أن يتغير لولا كفاح الأبطال, و لولا الضحايا الذين أقمنا لتمجيدهم نصب الشهداء, هؤلاء الضحايا الذين واجهوا الرصاص, و جادوا بأنفسهم, و استشهدوا في سبيل أرض الوطن, و أبناء الوطن…

إن هذا الوطن الذي وجدتموه حرا, مستقلا, غير خاضع لدولة أجنبية, يدعوكم اليوم إلى واجب لا محيد عنه, و هو أن تعملوا كلكم بحماس و شغف و اندفاع, على إعلاء شأنه, و إبلاغه ما يصبو إليه من مجد و رفعة و عزة و ازدهار. فينبغي أن تشعروا بالنخوة و الإعتزاز كلما تقدم هذا الوطن و ارتفع مستواه بين الأمم.

هذا ما نريد أن نغرسه في نفوسكم حتى يصبح كل واحد منكم بعد إتمام دراسته, عضوا عاملا, مفيدا, نافعا في المجتمع, و حتى يسخر كل مواهبه, و جهوده, و إمكانياته, و يساهم بفكره, و عمله, في السير ببلده نحو التقدم و الرقي و الإزدهار.

إن العمل الفردي, و المجهود الفردي, و النشاط الفردي, بطيء, متواضع, محدود لا يتجاوز نسبة قوة الفرد, فهو لا يسمح بتقدم سريع, ضخم, واسع النطاق, و هو التقدم الذي نريده لبلادنا. بينما العمل المشترك, و المجهود الجماعي, و النشاط التعاوني, هو وحده الذي يضمن الخروج من التخلف و النهوض بأمتنا إلى مستوى الأمم الراقية.

و هذه الحياة الإشتراكية تتطلب عقلية جديدة أساسها الصدق في القول, و الإخلاص في العمل, و تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية, إذ أن مصلحة الفرد في الإزدهار الجماعي.

تعليقات